1

Google

الأربعاء، 27 مايو 2015

شباب شارع الحوادث ووصفة التميز



مبادرة شباب شارع الحوادث مبادرة شبابية سعت وتسعى إلى خدمة القطاعات المستضعفة من المرضى المعوزين والعاجزين ع ن شراء الدواء أو تحمل تكلفة الدواء. وتعمل المبادرة من الشارع كما هو واضح من اسمها مما يضفي عليها قدراً كبيراً من الشفافية والالتصاق بالشرائح المستهدفة. ودعمت المبادرة هذا النهج الشفاف بربط المساهم بالمحتاج مباشرة دون الحاجة إلى وسيط ما أمكن ذلك تفادياً لاستلام المبالغ المالية مما يجعل المساهم يقدم الخدمة مباشرة إلى المريض. ويحصل شباب شارع الحوادث على الدعم بشكل أساسي من صفحتهم على الفيسبوك التي تمثل واجهتهم التي يعرضون من خلالها  الحالات على المتبرعين. وبمرور الوقت وتطور المبادرة أصبحت لها صفحات على الفيسبوك لمختلف الجهات مثل "شاب شارع الحوادث لمنطقة الخليج".

وتجنباً لتعطيل الحصول على الدواء للمحتاجين بنى شباب شارع الحوادث اعتماداً على الثقة فيهم حسابات لدى بعض الصيدليات يأخذون منها الدواء ويسددون قيمته لاحقاً.

لقد قدمت هذه المبادرة خدمات لا تقيم بثمن وبأقل التكاليف الممكنة ودون أي زوابع أو فرقعات إعلامية. وجاء انخفاض التكلفة بسبب استغناء المبادرة عن التكاليف الإجرائية المعقدة وعمل شباب المبادرة من الشارع (بنابر أم قسمة بائعة الشاي). وربما أن هذا هو ما غاظ الكثير من المتنفذين الذين كشفت المبادرة سوءاتهم فسلطوا عليها كلابهم النابحة في محاولة للتقليل من شأنها وجرها إلى معتركات تلهيها عن مقاصدها السامية.

ما قصدته من هذا المقال المقتضب الإشارة إلى بعض السمات الأساسية لهذه المبادرة علها تكون هادياً لنا في مقبل أيامنا وعلنا نأخذ منها قبساً أو نجد في أنشطتها هدىً. ويمكن أن أوجز هذه السمات في ما يلي:

1) بساطة النهج وعظم المقصد

اعتمدت المبادرة منذ نشأتها الأولى على اعتماد البساطة كنهج لعملها فلم تبحث عن مكاتب تؤدي أعمالها منها وإنما اتخذت من شارع الحوادث مسرحاً لأعمالها ومن بنابر أم قسمة مكاتب لها ومن حر الشمس وغبار الشارع ساتراً لهم وهم يضطلعون بمهمة جسيمة عظيمة تمثلت في خدمة شريحة غالية وضعيفة وهي شريحة الأطفال الذين ينكسر لضعفهم قلب كل شخص إلا من كان "كفيف الإنسانية".

ولعل البعض يستغرب كيف يتحقق كل هذا الجهد الجبار من الشارع، تحت حر الشمس ومن بنابر أم قسمة، لكن النفوس العظام تأتي الأفعال العظام والهمم العالية لا تعرف المستحيل ولا تقف حائرةً أمام الظروف إنما تطوع الظروف لتصنع منها بيئة مواتية تحقق من خلالها أهدافها السامية.

2) الطبيعة الشبابية للمبادرة:

تعني الطبيعة الشبابية للمبادرة القدرة على الحركة والإبداع حيث أن الشباب المليء بالطاقة والعنفوان يستطيع التحرك في كل الاتجاهات دون كلل كما أنه يتميز بالتوقد الذهني اللازم لمثل هذه المبادرة حتى تتمكن من إنتاج آليات عمل خاصة بها لمتابعة الحالات وتقديم المساعدة.

وقد أثبتت هذه المبادرة أن الشباب السوداني شباب متوقد له حسٌ عالٍ بالمسئولية تجاه أهله كما أثبت فشل المؤسسات الرسمية ليس في الاضطلاع بدورها فحسب وإنما حتى في دعم مثل هذ المبادرات وتشجيع مثل هؤلاء الشباب.

3) الإرث السوداني في العمل الجماعي:

اتخذت المبادرة شكلاً من العمل مألوفاً لدى السودانيين منذ عصور سحيقة وهو العمل التطوعي الجماعي فالمبادرة ليست سوى نفير مستمر لمساعدة الأطفال المرضى والنفير إرث سوداني أصيل ظل يربط الناس ببعضهم في السراء والضراء حتى ليشعر صاحب الحاجة أنه من يسدي الخدمة إلى القائمين بالنفير.

ومثلما هو الحال بالنسبة للنفير التقليدي فإن مبادرة شباب شارع الحوادث تتقبل كل أشكال الدعم؛ فمن كان حاضراً وقادراً جسدياً يمكنه أن يساهم بالجهد والسعي ومن كان بعيداً وقادراً مادياً يمكنه أن يساهم بالمال دون التقيد بسقف معين ومن كان بين ذلك فيمكنه أن يساهم بما يستطيع حتى مجرد الدعاء بظهر الغيب يعتبر مساهمةً جليلة لها وزنها.

4) البعد عن الهيمنة السياسية

لعل من أبرز الأسباب التي أثارت بعض المتنفذين ضد المبادرة بُعدها عن الهيمنة السياسية سواء أن كانت من قبل أشخاص أو مؤسسات أو أحزاب أو أي شكل آخر من الهيمنة السياسية. وقد تجلى أو بلغ هذا التحرر من الهيمنة أوجه في دعوة الوالدة أم قسمة لقص شريط افتتاح غرفة العناية المكثفة بمستشفى محمد الأمين حامد.

إن التحرر من الهيمنة السياسية يعطي المبادرة مزيداً من الدفع لأنه يحفز الجميع على المشاركة في دعمها والعمل تحت لوائها بغض النظر عن توجهاتهم السياسية فالجميع يهدف إلى خدمة شريحة معينة هي الأطفال الذين لا ذنب لهم في السياسية وليست لهم توجهات سياسية يحاسبون عليها.


هذه فقط بعض الإضاءات الموجهة إلى من كان له قلب أو ألقى السمع. أما أصحاب القلوب المصمتة التي أعمتها المصالح الشخصية الضيقة فهم ليسوا بحاجة إلى ما قلت ولا حاجة لي إلى مخاطبتهم.

سدد الله خطاكم وأعانكم على المهمة الجسيمة التي تقومون بها  ....


الهندي عز الدين والشهادة لغير الله

قرأت شهادة الهندي عز الدين التي هي ليست شهادة لله كما يسم هو عموده وإنما شهادة لأغراض يعلمها الهندي جيداً.
ولكلِ من كانت له عين بصيرة أو قلب يعي فإن كل فقرات المقال تنضح بما تضج به نفس الهندي المهزوزة والتواقة إلى هز كل صورة جميلة حتى لا يجد نفسه المهزوز الوحيد عملاً بمبدأ "موت الجماعة عرس".
في فقرة من المقال يقول الهندي "المبادرة في حد ذاتها لا غبار عليها" وطبعاً تبدو جليةً نبرة الانتقاص التي تنضح من هذه الفقرة وكان الأولى به أن يصف هذه المبادرة، إحقاقاً للحق، بما هو أسمى من ذلك وهي المبادرة التي قامت منذ نشأتها وظلت تقوم بما لم تقم به وزارة الصحة بأجهزتها وهي المبادرة التي تقدم خدماتها دون بيروقراطية وفي عرض الشارع حتى تصل إلى المحتاجين والمعوزين في قلب معاناتهم وتختصر عليهم إراقة ماء الوجه والجري بين المكاتب.
النقطة الثانية أن الهندي وصف شباب شارع الحوادث بالرفض الشامل بسبب اختيارهم لإحدى خالاتنا المحترمات لقص الشريط ولماذا لا يرفض شباب شارع الحوادث هذا الواقع المرير الذي وجدوا أنفسهم وأهليهم محاصرين فيه؛ هذا الواقع الذين يموت فيه الناس لانعدام محاليل غسيل الكلى، هذا الواقع الذي تلد فيه النساء على قارعة الطريق، هذا الواقع الذي يموت فيه المريض في مستشفيات يملكها وزير الصحة. فما الذي يمنع شباب شارع الحوادث أن يرفضوا هذا الواقع، إلا إذا كان الهندي عز الدين يرى أن هذا أمر طبيعي وعادي.
تكرار الهندي لعبارات الاحترام الجوفاء لأم قسمة تنم أيضاً عن سوء طوية ونظرة خسيسة صوّرت له ما قام به شباب شارع الحوادث على أنه "مشهد عبثي" أو "حالة هتافية" أكثر من كونها تبجيل لشرائح ضعيفة. لعل الهندي عز الدين لم يدرك أن تقدير هؤلاء الشباب لأم قسمة هو تقدير للشريحة المسحوقة التي تنتمي إليها أم قسمة والتي يشعر هؤلاء الشباب أن رسالتهم هي خدمة هذه الشريحة بدلاً عن تلميع الشرائح التي تعالج أبناءها ونساءها في لندن ونيويورك أو تحصل على الدواء بالطلب من الإنترنت أو لا تمرض أصلاً بسبب الغذاء الجيد وبيئة الحياة الجيدة.
أما الفقرة الأخيرة فتكشف أن الهندي عز الدين لم يسعفه الصبر على تحمل ما في صدره  من محبة لأبي قردة وحميدة فطفق لينفي عنه تلك التهمة وهو الذي لم يكتب ما كتب إلا لذاك الغرض وليعلم أن الأمة التي تقدر شرائحها الضعيفة هي الأمة التي تملك مكنونات التطور والتقدم لأنها تسعى إلى إزالة الغبن والحيف عنهم لتتيح لهم الفرصة ليرفدوا عجلة التطور بقواهم وأفكارهم وإمكانياتهم. ولن يستوعب الهندي هذا الأمر لأنه لا يرى أن الخالة المحترمة أم قسمة يمكن أن يخرج الله من رحمها من لا يساوي الهندي ظفراً منه. إلا أن الهندي وأشباهه لا يتورعون عن خوض الوحل وإثارة الغبار لكن سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

نشرت في الراكوبة بتاريخ 27 مايو 2015م على الرابط: هنا