1

Google

الأربعاء، 18 يناير 2017

"دمت أوالي" - الشاعر ود الرضي


"دمت أوالي" - الشاعر ود الرضي
أبوبكر العاقب
الرياض - 18 يناير 2017م
.
الشاعر محمد سليمان ابراهيم ود الرضي شاعر غنائي سوداني من مواليد العيلفون عام 1884م ، حفظ القرآن الكريم بخلوة الشيخ العبيد ودبدر بأم ضوا بان ، وتوفي بها عام 1982 عن عمر يناهز المائة عام . أثرى ود الرضي ذاكرة الغناء السوداني بقصائد قلّ أن يأتي شاعر بما يضارعها جودةً وسبكاً ونظماً ومعاني.ولأن سيرة الشاعر متوفرة على الكثير من مواقع الشبكة فلن أسهب فيها وإنما القصد من هذا المنشور تسليط قليل من الضوء على قصيدة من قصائده وهي "دمت اوالي" وهي قصيدة أعدها من فلتات الشعر وعيونه لما تحتويه من إبداع على جميع الأصعدة مثل المعاني والقوافي والمفردات وغيرها.
تضج قصيدة "دمت اوالي" بالشكوى للمحبوب من مرارة الهجران والبعد ويقول في مطلعها:
.
دمت اوالي ذكر التوى لي وانتعش مرات العليل
.
وهي إشارة إلى أنه لن ينسى محبوبه وسيوالي ذكره رغم أن المحبوب أرهقه أو جعله "تاوياً" وهي كلمة دارجة تعني مجهداً أو هالكاً ثم يشير بعد ذلك إلى أنه ينتعش كلما مرّ عليه النسيم العليل ولعله النسيم يذكره بطيب محبوبه فينتعش.
.
تتوالي بعد ذلك الصور الجميلة في القصيدة والتي تكشف عن براعة غير مسبوقة في توظيف اللغة وتطويعها. يقول ود الرضي:
.
النَحِيبْ لأيَّامْنَا وزَمَانَا الكُنَّا فِى صَفْوَاتَه وأَمَانَا
قَبْلِ مَا يَتَعَذَّرْ لِمَانَا بَعْدَ نَأَيَكْ أَفْضَلْ عَمَانَا
يَا حَيَاةْ أَرْوَاحْنَا وطَمَانَا لَوْ زَمَانْنَا بِهَجْرَكْ رَماَنَا
كُلَّ شَىْ بَى ضِدُّه بِيَزِيلْ
إِنْ عَطَفْتَ إِنْطَفَى حَرْ ظَماَناَ وإنْ جَفَوْتَ فَشَوْقَاً جَزِيلْ
.
فانظر كيف وظف ود الرضي التضاد في هذه الفقرة حين قال "لو زماننا بهجرك رمانا ،، كل شي بي ضدو بيزيل". ورغم توقعنا بعد هذا الرجاء أن يميل المحبوب ويتعطف إلا أن الشاعر يحاول أن يدع للمحبوب مجالا ًواسعاً للحركة دون إرغام فيخاطبه قائلاً "إن عطفت انطفى حر ظمانا" لكن مع ذلك "إن جفوتَ فشوقاً جزيل".
.
ثم انظر إلى هذه الجزئية المكثفة والمكتظة بما لا يتأتي للكثير من الشعراء:
.
اسْتَعِنْتَ بِجَلَدِى ورَائِى سَاوَمْتُة يَا خِلاَّىْ إِشْتِرَائِى
كَىْ أَرَاهُ ومَانَى المِرَائِى مَانِى جَاهْل الدَّاهْمَة الوَرَائِى
قَالِّ ذَلكَ زُورْ وإفْتَرَاءِ قُلْ لِى مَنْ لِلْعَنْقَاءِ رَائِى
كُفْ وكَفْكِفْ ذَا المُسْتَحِيلْ
قُتَّ آهٍ فُصِمَتْ عُرَائِى صَدَّ عَنِّى وَزَرَفْ الكَحِيلْ
.
يقول الشاعر أنه استعان بشجاعته ورجاحة رأيه وطلب أن يشتريه المحبوب فيكون مملوكاً له حتى يتمكن من رؤيته وهو صادق في طلبه غير مراءٍ وغير جاهلٍ بمصيره إن تعذرت رؤيته لمحبوبه. فماذا كان رد المحبوب؟ أجاب المحبوب بأنه ما قاله الشاعر زور وافتراء وأن ما يطلبه يعتبر من المستحيلات كما هي رؤية العنقاء ثم طلب من الشاعر أن يكفّ عن ذلك. حينها تأوه الشاعر ألماً لكن المحبوب صدّ رغم ذلك مع شعوره بالعطف على الشاعر بدلالة الدموع التي انهملت من عيونه الكاحلة (صدّ عني وذرف الكحيل).
.
ومن بدائع تركيب ود الرضي في اللغة دون الوقوع في فخ الاصطناع ما ورد في:
.
مَرَّتْ الاَيَّامْ يَا السَّلاَمَة وإنْتَ عَينَه وسِيْنَه ولاَمَه
يَا مُنَزَّهْ عَنْ المَلاَمَة يَا صَبَاحَا كَشَفْ الظَلاَمَه.
.
فانظر كيف صوّر ود الرضي المحبوب واصفاً إياه بأنه حلاوة أيامه وعسلها في قوله "إنت عينها وسينها ولامها". ثم يشير في ذات الفقرة إلى أن زمانه مرتهن بحالة المحبوب من الإقبال أو الإعراض حيث يقول: "والزمن بي ميلك يميل".
.
وإذا نظرنا إلى هذه الفقرة:
.
القَوَافِى البَدَتْ إِعْتذَارَه والقُلُوبْ الخَافَتْ بَزَارَه
والوَرِعْ التِّبِعْ النِّذَارَه الجَّمِيعْ مِنْ مَايْقَكْ حَذَارَى
يَا سُلاَفَة مَعَنَى العَذَارَى رَوْضَة حُسْنَكْ والنَّاسْ هَزَارَى
يَا الخَرِيفْ الوَافَاهُ نِيلْ
يَا رَبيعْ المَاحْلَة المَزَارَة يَا سَعَادَة حَظْ مَنْ يَنِيلْ
.
نجد أن ود الرضي حشد فيها وصفاً للمحبوب يتسم بالجمال البديع ليختمه بقوله "يا سعادة حظ من ينيل". ولعمري يا سعادة حظ من ينيل من اتصف بكل هذا القدر من الجمال الخَلقي والخُلقي الذي وصفه ود الرضي فأبدع.
آمل من الإخوة العارفين مشاركتنا في تسليط الضوء على هذا القصيدة البديعة.

الاثنين، 16 يناير 2017

التنميط ،، علة العصر


التنميط

التنميط هو إصدار الأحكام على أو تقييم أشخاص أو مجموعات بناءً على تجارب شخصية محدودة. وبعبارةٍ مبسطة إذا واجهتك مشكلة مع شخص من جنسية أو مجموعة عرقية معينة وتوصلت إلى نتيجة أنه وقح مثلاً وقمت بتعميم هذا الحكم على جميع الأفراد الذين ينتمون إلى نفس الجنسية أو المجموعة العرقية، تكون قد مارست نوعاً من التنميط.
ومن الواضح أن التنميط سلوك أو طريقة تفكير كريهة ومستهجنة لكن الأمر الأهم هو ما يترتب عليها بالنسبة إلى أولئك الذين يجدون أنفسهم ضحايا للتنميط. وبخلاف الآثار النفسية للتنميط فإنه يتسبب في العديد من المظالم حيث يؤدي إلى سوء تقييم للشخص الواقع تحت طائلة التنميط.
ينتج التنميط في الغالب عن عدة أسباب يمكن الإشارة إلى بعضها في النقاط التالية:
1-        التفكير غير الناضج: يميل الأشخاص غير الناضجين فكرياً إلى ممارسة التنميط بسبب قلة الدراية بطريقة تقييم الأشخاص والتفاعل معهم. وبالطبع ليس هنالك علاقة بين نضج التفكير والتعليم حيث أن الكثير من الحاصلين على درجات علمية عالية يمكن أن يكونوا غير ناضجين فكرياً مثلهم مثل كثير من الأميين.
2-        الأثر الإعلامي: تساهم الآلة الإعلامية في رسم أنماط للبشر من خلال ربط بعض المزايا والسمات الإيجابية بمجموعات أو أعراق معينة. وينعكس هذا الأثر على طريقة تفكير الناس عن بعضهم البعض ويدفعهم، ربما دون وعي، إلى تطوير أنماط معينة يطبقونها على من حولهم.
3-        الإستراتيجية الدفاعية: يستخدم بعض الناس التنميط كإستراتيجية دفاعية ويكون مثل هذا الشخص في العادة خائفاً من شيء ما ومن ثم يطبق صورةً معينة على الآخر ومن ثم يتصرف أو يتفاعل معه على أساسها.
أما بالنسبة لنتائج التنميط فهي أكثر وضوحاً وأسوأ تأثيراً في الدول التي تتسم بضعف أو غياب مؤسسات تطبيق القانون. وفي مثل هذا المجتمعات يفتقر ضحية التنميط إلى الحماية ضد ما يترتب على التنميط من نتائج كارثية. ويمكن أن تشمل هذا النتائج ما يلي:
1-        العدوان اللفظي: يتراوح العدوان اللفظي بين التلميحات المسيئة ليصل حتى الشتائم المباشرة وقد يقع مثل هذا العدوان في الأماكن العامة المفتوحة مثل محطات المواصلات أو قد يقع في مواجهة الضحية لوحده في حال الانفراد به أو عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
2-        العدوان الجسدي: يمكن أن يتراوح العدوان الجسدي بين الملامسة المسيئة المقصودة وحتى الضرب العنيف المؤدي إلى إصابات نفسية وجسمانية بليغة.
3-        الحرمان من الحقوق: يقع الحرمان من الحقوق كالعادة عندما يكون الشخص الممارس للتنميط في موقع سلطة أو قوة أو مسؤولاً عن تقديم خدمات معينة للجمهور. وفي الغالب تؤثر الصورة النمطية لدى مثل هذا المسؤول على الطريقة التي يتعامل بها أو يخدم بها الجمهور. ويفاقم هذا الوضع ضعف أو غياب أو عدم كفاءة الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون وفرضه.
ورغم أن التفكير التنميطي يبدأ على المستوى الشخصي إلا أنه سُرعان ما يتطور إلى سلوك عام حيث يصبح أساساً لنوع من التمييز. ولهذا السبب يصبح من الأهمية بمكان إدراك أسبابه ونتائجه ومن ثم تطوير إستراتيجيات للتغلب عليه. ويجب تطوير هذه الإستراتيجيات بواسطة المجموعات الخاضعة للتنميط بناءً على إلمامها ومعرفتها وطرق تفاعلها مع أولئك الذين يمارسون عليهم التنميط.
----
أبوبكر العاقب
سبتمبر 2014م