مبادرة شباب شارع الحوادث مبادرة شبابية سعت وتسعى إلى خدمة القطاعات المستضعفة من المرضى المعوزين والعاجزين ع ن شراء الدواء أو تحمل تكلفة الدواء. وتعمل المبادرة من الشارع كما هو واضح من اسمها مما يضفي عليها قدراً كبيراً من الشفافية والالتصاق بالشرائح المستهدفة. ودعمت المبادرة هذا النهج الشفاف بربط المساهم بالمحتاج مباشرة دون الحاجة إلى وسيط ما أمكن ذلك تفادياً لاستلام المبالغ المالية مما يجعل المساهم يقدم الخدمة مباشرة إلى المريض. ويحصل شباب شارع الحوادث على الدعم بشكل أساسي من صفحتهم على الفيسبوك التي تمثل واجهتهم التي يعرضون من خلالها الحالات على المتبرعين. وبمرور الوقت وتطور المبادرة أصبحت لها صفحات على الفيسبوك لمختلف الجهات مثل "شاب شارع الحوادث لمنطقة الخليج".
وتجنباً لتعطيل الحصول على الدواء للمحتاجين بنى شباب شارع الحوادث اعتماداً على الثقة فيهم حسابات لدى بعض الصيدليات يأخذون منها الدواء ويسددون قيمته لاحقاً.
لقد قدمت هذه المبادرة خدمات لا تقيم بثمن وبأقل التكاليف الممكنة ودون أي زوابع أو فرقعات إعلامية. وجاء انخفاض التكلفة بسبب استغناء المبادرة عن التكاليف الإجرائية المعقدة وعمل شباب المبادرة من الشارع (بنابر أم قسمة بائعة الشاي). وربما أن هذا هو ما غاظ الكثير من المتنفذين الذين كشفت المبادرة سوءاتهم فسلطوا عليها كلابهم النابحة في محاولة للتقليل من شأنها وجرها إلى معتركات تلهيها عن مقاصدها السامية.
ما قصدته من هذا المقال المقتضب الإشارة إلى بعض السمات الأساسية لهذه المبادرة علها تكون هادياً لنا في مقبل أيامنا وعلنا نأخذ منها قبساً أو نجد في أنشطتها هدىً. ويمكن أن أوجز هذه السمات في ما يلي:
1) بساطة النهج وعظم المقصد
اعتمدت المبادرة منذ نشأتها الأولى على اعتماد البساطة كنهج لعملها فلم تبحث عن مكاتب تؤدي أعمالها منها وإنما اتخذت من شارع الحوادث مسرحاً لأعمالها ومن بنابر أم قسمة مكاتب لها ومن حر الشمس وغبار الشارع ساتراً لهم وهم يضطلعون بمهمة جسيمة عظيمة تمثلت في خدمة شريحة غالية وضعيفة وهي شريحة الأطفال الذين ينكسر لضعفهم قلب كل شخص إلا من كان "كفيف الإنسانية".
ولعل البعض يستغرب كيف يتحقق كل هذا الجهد الجبار من الشارع، تحت حر الشمس ومن بنابر أم قسمة، لكن النفوس العظام تأتي الأفعال العظام والهمم العالية لا تعرف المستحيل ولا تقف حائرةً أمام الظروف إنما تطوع الظروف لتصنع منها بيئة مواتية تحقق من خلالها أهدافها السامية.
2) الطبيعة الشبابية للمبادرة:
تعني الطبيعة الشبابية للمبادرة القدرة على الحركة والإبداع حيث أن الشباب المليء بالطاقة والعنفوان يستطيع التحرك في كل الاتجاهات دون كلل كما أنه يتميز بالتوقد الذهني اللازم لمثل هذه المبادرة حتى تتمكن من إنتاج آليات عمل خاصة بها لمتابعة الحالات وتقديم المساعدة.
وقد أثبتت هذه المبادرة أن الشباب السوداني شباب متوقد له حسٌ عالٍ بالمسئولية تجاه أهله كما أثبت فشل المؤسسات الرسمية ليس في الاضطلاع بدورها فحسب وإنما حتى في دعم مثل هذ المبادرات وتشجيع مثل هؤلاء الشباب.
3) الإرث السوداني في العمل الجماعي:
اتخذت المبادرة شكلاً من العمل مألوفاً لدى السودانيين منذ عصور سحيقة وهو العمل التطوعي الجماعي فالمبادرة ليست سوى نفير مستمر لمساعدة الأطفال المرضى والنفير إرث سوداني أصيل ظل يربط الناس ببعضهم في السراء والضراء حتى ليشعر صاحب الحاجة أنه من يسدي الخدمة إلى القائمين بالنفير.
ومثلما هو الحال بالنسبة للنفير التقليدي فإن مبادرة شباب شارع الحوادث تتقبل كل أشكال الدعم؛ فمن كان حاضراً وقادراً جسدياً يمكنه أن يساهم بالجهد والسعي ومن كان بعيداً وقادراً مادياً يمكنه أن يساهم بالمال دون التقيد بسقف معين ومن كان بين ذلك فيمكنه أن يساهم بما يستطيع حتى مجرد الدعاء بظهر الغيب يعتبر مساهمةً جليلة لها وزنها.
4) البعد عن الهيمنة السياسية
لعل من أبرز الأسباب التي أثارت بعض المتنفذين ضد المبادرة بُعدها عن الهيمنة السياسية سواء أن كانت من قبل أشخاص أو مؤسسات أو أحزاب أو أي شكل آخر من الهيمنة السياسية. وقد تجلى أو بلغ هذا التحرر من الهيمنة أوجه في دعوة الوالدة أم قسمة لقص شريط افتتاح غرفة العناية المكثفة بمستشفى محمد الأمين حامد.
إن التحرر من الهيمنة السياسية يعطي المبادرة مزيداً من الدفع لأنه يحفز الجميع على المشاركة في دعمها والعمل تحت لوائها بغض النظر عن توجهاتهم السياسية فالجميع يهدف إلى خدمة شريحة معينة هي الأطفال الذين لا ذنب لهم في السياسية وليست لهم توجهات سياسية يحاسبون عليها.
هذه فقط بعض الإضاءات الموجهة إلى من كان له قلب أو ألقى السمع. أما أصحاب القلوب المصمتة التي أعمتها المصالح الشخصية الضيقة فهم ليسوا بحاجة إلى ما قلت ولا حاجة لي إلى مخاطبتهم.
سدد الله خطاكم وأعانكم على المهمة الجسيمة التي تقومون بها ....