1

Google

الخميس، 31 مايو 2018

الجمعة، 11 مايو 2018

درتي النجعة يا ام فرزاً قلادي ودامع

درتي النجعة يا ام فرزاً قلادة ودامع
أهلك سيّبوا الدكي وصلاة الجامع
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
كنت نشرت هذه المربوعة للشاعر عبد السيد ود مسعود من بادية كردفان في صفحتي فسألني أحد الإخوة سؤالاً فحواه "أن الجماعة ديل قنعوا من الصلاة؟"، فجاءت المحاولة التالية للإيضاح.
بدءً أقول أن الشاعر هنا يخاطب ناقته والتي أحس ما تحس للعلاقة النفسية بين البدوي وراحلته، فقد أحس أنها ترغب في السفر والانتقال "النجعة" وقد خاطبها بوصفٍ لا باسم إذ قال "ام فرزاً قلادة ودامع" والفرز هو "الوسِم" الذي توسم به البهائم بتسخين قطعة من الحديد ذات شكل معين ويرسم بها الوسم على جلد البهيمة لتمييزها فمثلاً نجد أن كل قبيلة أو كل فرد له وسم خاص ببهائمه يتخذ شكلاً معيناً مثل مربع أو دائرة. والناقة المخاطبة هنا وسمها "فرزها" معروف باسم "القلادة والدامع". ثم يقول لها في البيت الثاني "أهلك سيّبو الدكي وصلاة الجامع" والدكة "الدكي بالإمالة الكردفانية" هي الفريق أو مكان يستقر فيه العرب ولو إلى حين. والمعنى هنا أن أصحاب الناقة تركوا الفريق وصلاة الجامع.
ولصديقي صاحب السؤال أقول أن ترك صلاة الجامع ليس تركاً للصلاة وإنما لأن أصحاب الإبل لا يطيقون البقاء في الفريق ويعتبرونه نوعاً من الفعل غير المحمود في حق الرجل الذي عليه أن يكد ويبطش لا أن يقضي وقته في الفريق. ولذلك فإن ترك صلاة الجامع إنما جاء نتيجة لمغادرة الفريق والبعد عنه ومن ثم البعد عن الجامع. ولذلك فإن الذين "سيّبو الدكي وصلاة الجامع" يمارسون صلواتهم في فلواتهم ساعين للرزق وإرضاء ربات الخدور.
ونجد هذا المعنى في كثير من مربوعات الدوبيت حيث يسمي الشاعر ود قدال من يتبطل في الفريق باسم "سواحي الفريق" وأظنه من يقضي وقته كله في الفريق يخرج من بيت ليدخل آخر. يقول ود قدال في إحدى مربوعاته:
سواحي الفريق يا ام دغمةً محبوكة
لا تباجحيهُ لا تدّي الأمانة يضوكّا
يخاطب الشاعر فتاةً من الحي واصفاً إياها بوصف "ام دغمةً محبوكة" والدُغمة هي زرقة الشفاه وقد يشار بها إلى الفم عموماً. ولا تباجحيه أي لا تكثري معه الحديث ولا تنيليه شيئاً. ومن الواضح أن هذه الثقافة تعني أن "سواحي الفريق" شخص بغيض غير مرغوب يزدريه الرجال وتمقته النساء. ولعل هذا المعنى جاء بصورةٍ أوضح في المربوعة المميزة لعمنا الشيخ عمر البنا "وسع الله مرقده" التي يقول فيها:
ماني اللفزر البجلس يخالي قريبتو
وماني الفاسد الفي الجارة كاس لضريبتو
ماني زويل بيوت الناس أبوهو لريبتو
بستر حالي لما الراس تعمو غريبتو
والمعنى هنا أوضح إذ وصف الشاعر هذا الشخص بعبارة "زويل بيوت" وزويل تصغير زول وهو تصغير بغرض التحقير حيث ربط الشاعر هذا الشخص بالريبة ولعل الريبة تأتي من أنه يكون في الفريق أو البيوت في وقت يكون فيه الرجال في أشغالهم فيختلي بالقريبة ولا تسلم منه الجارة.
إذن كيف يجب أن يكون حال الشخص الذي ليس بزويل بيوت ولا سواحي فريق. الإجابة نجدها أيضاً في طيات المربوعات الثلاث التي استشهدت بها هنا.
في المربوعة الأولى يقول الشاعر تكملةً لها:
قول للخازّي فيها وقلبو فيه مطامع
شن بتشوف بلا الجيم والكلاش اللامع
الضمير في كلمة "فيها" عائد إلى الناقة (والمقصود الإبل بصورة عامة) حيث يقول الشاعر أن الطامع في إبلي لن يرى ولن يلقى سوى الجيم والكلاش اللامع (أنواع من الأسحلة G3 و Klashnikov)؛ أي أن من يحاول النيل من إبلي ومالي فنصيبه الموت. إذا سواحي الفريق عكسه هنا ذلك الرجل الذي يختار إما أن يصون حقه أو أن يموت دونه وشتان بين هذا وذاك.
أما مربوعة ود قدال فتكتمل أيضاً بصورة للرجولة تخالف ما عليه "سواحي الفريق" أو "زويل البيوت" حيث يقول:
نحن خطرنا شاقين الجبال الروكة
وحس سيطانّا خمجن في قفا الدبوكة
"خطرنا" في اللسان الكردفاني هي "خترنا" في لسان عرب البطانة ومعناها سافرنا أو ذهبنا. إذن ود قدال يقول أن سواحي الفريق لا يأتي فعالهم ولا يستطيعها فهم يسافرون في مناطق وعرة يتحملون مشاقها ويواجهون مخاطرها وهم يسوقون إبلهم.
وعندما ننظر إلى مربوعة شيخنا عمر البنا فنجده وضع كل الفَخَار في عبارة وجيزة حيث قال:
بستر حالي لما الراس تعمو غريبتو
أي أنه سيعيش مستور الحال على نفس شيمه العالية حتى تعم رأسَه الغريبة وهي الشعرة البيضاء أي أنه سيظل على تلك الشمائل إلى آخر عمره ولك أن تتمعن في عبارة "بستر حالي" وسيعجزك حصر ما تحويه من المكارم.
ذلك ما استطعنا ولأحبابنا أهل كردفان العتبى إن أخطأنا في فهم بعض العبارات لقصورٍ في اطلاعنا ،،