ورد في الأخبار أن الدكتورة سعاد الفاتح، عضو مجلس الولايات طالبت " نواب المجلس (مجلس الولايات) بقيام الليل وبيع الأنفس لله، ودعت لاستعادة شعار (هي لله ..هي لله)).
يبدو أن الدكتورة سعاد الفاتح التي تعتبر هي والأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم أول سودانيتين تدخلان البرلمان لم تصل بعد إلى قناعة بأن شعار "هي لله" لم يعد هو الشعار الذي يدغدغ المشاعر ويحمل الناس إلى جنة الله في الأرض التي كانت تساق بها الجماهير أو بلغة الشارع أن "المكنة دي بقت ما بتقسّم".
إن شعار "هي لله" الذي طرحته حكومة الإنقاذ وظلت تلوح به طوال ربع قرن من الزمان لم ينجم عنه إلا مزيد من الظلم باسم الله ومزيد من السرقة باسم الله ومزيد من الذل والمهانة باسم الله الذي كرّم ابن آدم من دون خلقه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الآية 70 من سورة الإسراء.
ولعلها بهذا التصريح الغريب تعطينا الدكتورة سعاد إشارةً إلى أنها ورغم التجارب التي خاضتها في الحياة السياسية إلا أنها لم تتقدم قيد أنملة سواء من حيث إيمانها بهذا الشعار الذي فقد بريقه وأصبح باهتاً أو من حيث عدم قناعتها بأن الإنسانية جمعاء قد توصلت من خلال تجاربها الحية، وتجربتنا أبلغ التجارب، أن الشعارات الدينية الفضفاضة التي تحاول التملص من الضوابط والقوانين والأحكام والإجراءات، أو باختصار التي تحاول تجنب دولة المؤسسات هي تجارب محكوم عليها مسبقاً بالفشل مهما كانت درجة عفة وتقوى القائمين عليها.
لقد توصل العالم أجمع إلى أن دولة المؤسسات هي الدولة التي تمتلك مقومات الاستمرارية والقدرة على بسط العدل والمساواة بين الناس وتوفير حاجاتهم الأساسية دون النظر إلى أعراقهم أو أديانهم أو ثقافاتهم طالما أن لهم حق المواطنة وذلك لأن دولة المؤسسات تخضع مؤسساتها لضوابط وقوانين وأحكام بدلاً عن أن تخضع للمزاج الشخصي أو للتفسيرات الاعتباطية للنصوص الدينية التي ترفع السيف فوق رأس من يخالفها بناءً على أحكام لعلماء مترفين يترفهون في مساكنهم الفاخرة غير عابئين بمن بات جائعاً أو أنّ مريضاً أو مات من مسغبة أو غبن.
وقد دعت الدكتورة سعاد الفاتح إلى عدم التمسك بالكراسي وكان الأولى بها لو أنها غير متمسكة بالكرسي أن تحدثنا عن أمور أخرى وأن تطرح لنا رأيها في مسائل أشد حساسية وأكثر وضوحاً من "هي لله" ولكنه ما حكاه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الآية 136 سورة الأنعام. فقد جعلها القوم كلها لله بقولهم "هي لله" ثم أخذوا ذلك النصيب وأدخلوه جيوبهم ولم يذهب لا إلى الله ولا إلى خلق الله شيء منه.
كان الأولى بالدكتورة سعاد، وأشبه بها، لو أنها دعت النواب إلى جلسات عصف ذهني للتوصل إلى مقترحات عملية وواقعية لمعالجة مشاكل الفقر الذي يطحن السواد الأعظم من أهلنا وعن الأمراض المستعصية باهظة العلاج التي صارت تفتك بالناس في بلدنا والفوضى الضاربة بأطنابها في كل الدواوين حتى اختلط حابل الفوضى بنابل القهر فأصبحت مكاتب ولاة الأمر أسواقاً للإتجار بأراضٍ كان الأولى أن تخصص لأسر من المغتربين المهاجرين لعشرات السنين دون أن يكون لديهم بصيص أمل في حياة مستقرة بين أهليهم.
ولو أن في البلاد دولة مؤسسات لما آل الحال إلى ما آل إليه وللقي كل عاملٍ جزاءً من جنس عمله لأنه يخضع للقانون أياً كان المنصب الذي يتبوأه ولأن الحسبة تطاله وتطال بنيه وأسرته مهما كانوا ولأن الأنظمة لا تعطيه فرصةً أصلاً للتلاعب والتدليس والمراوغة من خلال ما يعرف بالضوابط والتوازنات (Checks and Balances) التي تعتبر من السمات المهمة للأنظمة الديمقراطية.
إن المجلس الذي يتبنى أعضاؤه دعوات مثل دعوة الدكتورة سعاد الفاتح هو ليس سوى جسم فوقي لا علاقة له بهموم من يفترض أنه يمثلهم ويخدم مصالحهم وعلى ذلك فهو مجلس بالغ التعاسة لأنه لا يشعر بآلام من فوضوه لخدمتهم وينطبق عليه قول شاعرنا الفذ محمد المكي إبراهيم الذي قال في قصيدته المُحكمة "قطار الغرب":
ما أتعس رأسا مشلول الأقدام
ما أتعس راسا لا تعنيه تباريح الأقدام
نُشر في الراكوبة بتاريخ 4 مايو 2015م على الرابط: هنا
يبدو أن الدكتورة سعاد الفاتح التي تعتبر هي والأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم أول سودانيتين تدخلان البرلمان لم تصل بعد إلى قناعة بأن شعار "هي لله" لم يعد هو الشعار الذي يدغدغ المشاعر ويحمل الناس إلى جنة الله في الأرض التي كانت تساق بها الجماهير أو بلغة الشارع أن "المكنة دي بقت ما بتقسّم".
إن شعار "هي لله" الذي طرحته حكومة الإنقاذ وظلت تلوح به طوال ربع قرن من الزمان لم ينجم عنه إلا مزيد من الظلم باسم الله ومزيد من السرقة باسم الله ومزيد من الذل والمهانة باسم الله الذي كرّم ابن آدم من دون خلقه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الآية 70 من سورة الإسراء.
ولعلها بهذا التصريح الغريب تعطينا الدكتورة سعاد إشارةً إلى أنها ورغم التجارب التي خاضتها في الحياة السياسية إلا أنها لم تتقدم قيد أنملة سواء من حيث إيمانها بهذا الشعار الذي فقد بريقه وأصبح باهتاً أو من حيث عدم قناعتها بأن الإنسانية جمعاء قد توصلت من خلال تجاربها الحية، وتجربتنا أبلغ التجارب، أن الشعارات الدينية الفضفاضة التي تحاول التملص من الضوابط والقوانين والأحكام والإجراءات، أو باختصار التي تحاول تجنب دولة المؤسسات هي تجارب محكوم عليها مسبقاً بالفشل مهما كانت درجة عفة وتقوى القائمين عليها.
لقد توصل العالم أجمع إلى أن دولة المؤسسات هي الدولة التي تمتلك مقومات الاستمرارية والقدرة على بسط العدل والمساواة بين الناس وتوفير حاجاتهم الأساسية دون النظر إلى أعراقهم أو أديانهم أو ثقافاتهم طالما أن لهم حق المواطنة وذلك لأن دولة المؤسسات تخضع مؤسساتها لضوابط وقوانين وأحكام بدلاً عن أن تخضع للمزاج الشخصي أو للتفسيرات الاعتباطية للنصوص الدينية التي ترفع السيف فوق رأس من يخالفها بناءً على أحكام لعلماء مترفين يترفهون في مساكنهم الفاخرة غير عابئين بمن بات جائعاً أو أنّ مريضاً أو مات من مسغبة أو غبن.
وقد دعت الدكتورة سعاد الفاتح إلى عدم التمسك بالكراسي وكان الأولى بها لو أنها غير متمسكة بالكرسي أن تحدثنا عن أمور أخرى وأن تطرح لنا رأيها في مسائل أشد حساسية وأكثر وضوحاً من "هي لله" ولكنه ما حكاه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الآية 136 سورة الأنعام. فقد جعلها القوم كلها لله بقولهم "هي لله" ثم أخذوا ذلك النصيب وأدخلوه جيوبهم ولم يذهب لا إلى الله ولا إلى خلق الله شيء منه.
كان الأولى بالدكتورة سعاد، وأشبه بها، لو أنها دعت النواب إلى جلسات عصف ذهني للتوصل إلى مقترحات عملية وواقعية لمعالجة مشاكل الفقر الذي يطحن السواد الأعظم من أهلنا وعن الأمراض المستعصية باهظة العلاج التي صارت تفتك بالناس في بلدنا والفوضى الضاربة بأطنابها في كل الدواوين حتى اختلط حابل الفوضى بنابل القهر فأصبحت مكاتب ولاة الأمر أسواقاً للإتجار بأراضٍ كان الأولى أن تخصص لأسر من المغتربين المهاجرين لعشرات السنين دون أن يكون لديهم بصيص أمل في حياة مستقرة بين أهليهم.
ولو أن في البلاد دولة مؤسسات لما آل الحال إلى ما آل إليه وللقي كل عاملٍ جزاءً من جنس عمله لأنه يخضع للقانون أياً كان المنصب الذي يتبوأه ولأن الحسبة تطاله وتطال بنيه وأسرته مهما كانوا ولأن الأنظمة لا تعطيه فرصةً أصلاً للتلاعب والتدليس والمراوغة من خلال ما يعرف بالضوابط والتوازنات (Checks and Balances) التي تعتبر من السمات المهمة للأنظمة الديمقراطية.
إن المجلس الذي يتبنى أعضاؤه دعوات مثل دعوة الدكتورة سعاد الفاتح هو ليس سوى جسم فوقي لا علاقة له بهموم من يفترض أنه يمثلهم ويخدم مصالحهم وعلى ذلك فهو مجلس بالغ التعاسة لأنه لا يشعر بآلام من فوضوه لخدمتهم وينطبق عليه قول شاعرنا الفذ محمد المكي إبراهيم الذي قال في قصيدته المُحكمة "قطار الغرب":
ما أتعس رأسا مشلول الأقدام
ما أتعس راسا لا تعنيه تباريح الأقدام
نُشر في الراكوبة بتاريخ 4 مايو 2015م على الرابط: هنا
0 تعليقات :
إرسال تعليق